من المعروف أن المرأة أكثر حساسيّة من الرجل عموماً في ما يتعلق بصحّتها، كونها ذات بنية أضعف وأكثر دقّة. بيد أنّه لا أحد بمنأى عن المرض الذي لا يفرّق بين ذكور وإناث. ففيما يتباهى الرجل كونه لا يزور الطبيب إلاّ نادراً ولا يشكو من علل أو أمراض، نرى أنّ بعض الأمراض تصيب الرجال بوتيرة أعلى من النساء. فبعض المشاكل أكثر شيوعاً بين الرجال، لأنّ المرأة تكون محصّنة ضدّها بفعل الهرمونات في مرحلة ما قبل إنقطاع الطمث. ولا يجوز نسيان المشاكل التي قد تصيب المسالك البولية والجهاز التناسليّ أيضاً. لذلك، لا بدّ من إستشارة دورية للطبيب المختصّ، للرجل والمرأة على حدّ سواء، لإستباق المشكلة في حال حصولها والقضاء عليها في مهدها. فالمرض-على عكس ما يعتقده بعض الرجال-ليس إنتقاصاً من الرجولة أو دليل ضعف وعجز، وإنما هو حالة بشرية تصيب الجسم فيعيا!
يتحدث الدكتور ميشال معلولي، طبيب عائلة وطوارئ، إنطلاقاً من دراسات علمية وتجارب ميدانية،عن أبرز الأمراض المنتشرة بين الرجال عموماً. كما يتطرّق إلى بعض النصائح لتفاديها. ومن جهة أخرى، يفسّر الدكتور يوسف دياب، إختصاصيّ في جراحة الكلى والمسالك البولية، الشق المتعلّق بالجهازين البوليّ والتناسليّ.
يبقى الهدف الموحّد هو التوعية المبكرة عند الرجال، حتى يتمكّنوا من تفادي تفاقم المشاكل الصغيرة. لكن في النهاية، لا ضرورة للوسواس المرضيّ لأنه مضرّ بقدر الإهمال!
الإنتكاسات الصحية تأتي من حيث لا يدري المرء، لكن بالإمكان التخفيف من وطأتها مع الوقاية المناسبة. فما من مشكلة صحّيّة إلاّ لها علاج طبّيّ مناسب.
مشاكل صحية
يقول الدكتور معلولي إنّ «الرجل معرّض للإصابة ببعض الأمراض أكثر من المرأة وذلك بفعل الهرمونات النسائية التي تحميها في مرحلة ما قبل الطمث. كما يجب عليه الإنتباه للروتين اليوميّ لتفادي الكثير من المشاكل التي لا تكون في الحسبان. فبالإضافة إلى مشاكل الجهاز البوليّ والتناسليّ، من المعروف أنّ الذكور أكثر تعرّضاً للإصابة بإنسدادات في شرايين القلب تؤدّي إلى الذبحات القلبية». يكون ذلك أكثر حصولاً بعد سنّ الخامسة والأربعين إجمالاً، إلاّ أنّ الوقاية بسيطة وتقتضي الإمتناع عن التدخين والسيطرة على ضغط الدم والسيطرة على معدّل السكر والدهون في الدم، بالإضافة إلى ممارسة الرياضة بإنتظام وتناول الوجبات الصحية. كما يجب أن ينتبه مرضى السكري خصوصاً لأنّ نسبة هذا الداء في تزايد يوماً بعد يوم. ومريض السكري أكثر عُرضة من سواه لأمراض القلب والشرايين والكلى.
من جهة أخرى، يضيف معلولي أنّ «تساقط الشعر عند الرجل هو مشكلة صحية ناهيك بكونها جمالية. فالصلع والجلحة، أي تساقط الشعر من الأمام هو مشكلة تصيب الرجال بوتيرة أكبر، بيد أنّ المرأة تصبح أيضاً عُرضة لها بعد إنقطاع الطمث». ويلفت الى «مشكلة إرتفاع ضغط الدم منتشرة أكثر بين الرجال بفعل الضغط اليوميّ وما يتعرّض له في العمل».
امّا داء السكري وأمراض الروماتيزم وأمراض العظام والكبد والأمعاء والجلطات الدماغية والسرطانات، فتصيب الجنسين سواسية!
ولعلّ أكثر أنواع السرطانات التي تصيب الرجال تحديداً، بحسب الدكتور معلولي، هي من حيث الأكثر إنتشاراً «سرطان الرئة، يليه سرطان القولون أي الأمعاء الغليظة، ثمّ سرطان البروستات». وتبقى الأسباب الكامنة وراء ذلك هي التدخين في الدرجة الأولى، بالإضافة إلى تأثير بعض أنواع الأكل التي قد تؤدي إلى سرطان القولون والمعدة.
بروستات: إلتهابات وتضخّم حميد
يتكلّم الدكتور دياب عن غدّة البروستات الموجودة ضمن الجهاز التناسليّ عند الرجل شارحاً أنها "مرادفة للرحم عند المرأة من حيث التكوين الجينيّ. كما أنها تخضع للتغيرات الهرمونية والوظيفية مثلها مثل الرحم ووظيفتها الأساسية هي إفراز نحو 70% من السائل المنويّ المكوّن من عصارة غدّة البروستات، إضافة إلى ما يتكوّن في الخصيتين والبربخ. وبما أنها جزء من الجهاز البولي التناسلي، فقد تتعرّض لشتى أنواع الإلتهابات Prostatis المتأتية إجمالاً من الجرثومة الشائعة E. Coli. فالأعراض هي إضطرابات بولية وكثرة التبوّل والحريق أثناء التبوّل والتقطّع في البول، إضافة إلى وجود حرارة عالية وألم رأس حاد وأوجاع في أسفل الظهر ووهن». يفسّر دياب أنّ «الإلتهاب قد يكون حاداً أو مزمناً. فالإلتهاب الحاد يستدعي العلاج بمضادات قوية في الوريد في المستشفى، بينما الإلتهاب المزمن هو ذو أعراض أقلّ وطأة لكنه قد يتحوّل حاداً اذا أُهمل العلاج». إنّ الفئة العمرية الأكثر إصابة بهذه الإلتهابات تضم الشباب ما بين 25 و40 سنة، بسبب إلتهاب النسيج الغددي الموجود في البروستات. كما من الممكن أن يُصاب الكبار في السن بهذه الإلتهابات وإن بنسبة أقلّ بسبب تحوّل غدّة البروستات مع العمر من نسيج غددي «إسفنجي» إلى تليّفي.
من جهة أخرى، يؤكّد دياب أنّ «تضخّم غدّة البروستات هو تطوّر طبيعي لهذه الغدّة مع العمر. وهو يصيب فئة كبيرة من الرجال بفعل تغيّر نوعيّة النسيج الغددي إلى تليّفي وتأثير الهرمونات الذكورية المباشر عليه. فمنذ سنّ الخمسين، قد نلاحظ الأعراض التي هي ضعف في زخم البول والشعور بعدم إفراغ المثانة، يتبعه شعور بالحاجة إلى التبوّل مجدّداً وعدم القدرة على ضبط البول وتكرار البول خاصة في الليل». يكون العلاج إمّا دوائياً أو جراحياً حسب الفحوص السريرية وتخطيط فحص البول والتأكّد من مستوى ال PSA في الدم.
سرطان البروستات
لا تسلم غدّة البروستات من السرطانات على غرار الأعضاء الأخرى في الجسم. فمن الممكن حدوث تضخّم سرطانيّ خبيث في غدّة البروستات، لا علاقة له أبداً بالتضخّم الحميد الذي يصيب غالبيّة الرجال، فهاتان الحالتان منفصلتان تماماً وإن تشابهت بعض الأعراض احياناً. يقول الدكتور دياب: «وجود تضخّم خبيث في البروستات وارد في مختلف الأعمار مع إزدياد واضح لهذه النسبة مع التقدّم في السن. لكن لا أسباب مباشرة حتى الآن لظهور هذا النوع من السرطانات، مع أنّ عامل الوراثة يلعب دوراً، إضافة إلى عامل التغذية». يكون العلاج الإستئصال الجذريّ للبروستات للقضاء على المشكلة ومنع تفشيها في الجسم.
إنّ ما قد تتعرّض له غدّة البروستات قد يترافق مع مضاعفات أخرى. لكن تضخّم الغدّة، حميداً كان أو خبيثاً، لا ينتقل إلى الشريك أو إلى أيّ شخص آخر. وتجدر الإشارة إلى أنّ عملية إستئصال تضخّم البروستات الحميد، لا تؤثر في الوظيفة الذكورية والقدرة الجنسية، خلافاً لما يعتقده الكثيرون.
نوعيّة حياة
مهما كان نوع الاضطراب الصحيّ الذي قد يعانيه الرجل، فهو سوف ينعكس لا محالة على نوعيّة حياته. لذلك يجب العمل على إستباق الداء عبر الوقاية المبكرة وزيارة الطبيب المختصّ بشكل دوريّ والخضوع للفحوص المخبرية وفحوص الدم عند الحاجة. كما تبقى نصيحة الأطباء هي الإمتناع عن التدخين وخاصة تدخين النارجيلة المنتشر بكثرة بين المراهقين. كما يجب ممارسة الرياضة بإنتظام وإتباع نظام غذائي متوازن ومدروس. والتوعية لا تقتصر على الرجل، بل تشمل العائلة برمّتها. فالصحة مهمّة ولا يجوز التفريط بها. وبما أنّ الرجال ميّالون إلى تأجيل الزيارة الطبية إجمالاً، أو التغاضي عن وجود مشكلة، أو حتى رفض المعاينة والإستشارة، فلا بدّ من التوجّه إلى النساء